فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وظاهر النّظم أنّ قوله: {الذين اتخذوا دينهم} إلى قوله الحياة الدنيا هو من حكاية كلام أهل الجنّة، فيكون: {اتخذوا دينهم لهوًا} إلخ صفة للكافرين.
وجُوز أن يكون: {الذين اتخذوا دينهم لهوًا} مبتدأً على أنّه من كلام الله تعالى، وهو يفضي إلى جعل الفاء في قوله: {فاليوم ننساهم} داخلة على خبر المبتدأ لتشبيه اسم الموصول بأسماء الشّرط، كقوله تعالى: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} [النساء: 16] وقد جُعلَ قوله: {الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا} إلى قوله وماكانوا بآياتنا يجحدون آية واحدة في ترقيم أعداد آي المصاحف وليس بمتعيّن.
{فاليوم ننساهم كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ باياتنا يَجْحَدُونَ}.
اعتراض حكي به كلام يُعْلَن به، من جانب الله تعالى، يَسمعه الفريقان.
وتغيير أسلوب الكلام هو القرينة على اختلاف المتكلّم، وهذا الأليق بما رجحناه من جعل قوله: {الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا} إلى آخره حكاية لكلام أصحاب الجنّة.
والفاء للتّفريع على قول أصحاب الجنّة: {إنّ الله حرّمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا} الآية، وهذا العطف بالفاء من قبيل ما يسمّى بعطف التّلقين الممثَّل له غالبًا بمعطوف بالواو فهو عطف كلام.
متكلّم على كلام متكلّم آخَر، وتقدير الكلام: قال الله: {فاليوم ننساهم}، فحذف فعل القول، وهذا تصديق لأصحاب الجنّة، ومَن جعلوا قوله: {الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا} كلامًا مستأنفًا من قِبل الله تعالى تكون الفاء عندهم تفريعًا في كلام واحد.
والنّسيان في الموضعين مستعمل مجازًا في الإهمال والتّرك لأنّه من لوازم النّسيان، فإنّهم لم يكونوا في الدّنيا ناسين لقاء يوم القيامة، فقد كانوا يذكرونه ويتحدّثون عنه حديثَ من لا يصِدّق بوقوعه.
وتعليق الظّرف بفعل: {ننساهم} لإظهار أنّ حرمانهم من الرّحمة كان في أشدّ أوقات احتياجهم إليها.
فكان لذكر اليوم أثرٌ في إثارة تحسّرهم وندامتهم، وذلك عذاب نفساني.
ودلّ معنى كاف التّشبيه في قوله: {كما نسوا} على أنّ حرمانهم من رحمة الله كان مماثلًا لإهمالهم التّصديق باللّقاء، وهي مماثلَة جزاءِ العمللِ للعمل، وهي مماثلة اعتباريّة، فلذلك يقال: إنّ الكاف في مثله للتّعليل، كما في قوله تعالى: {واذكروه كما هداكم} [البقرة: 198] وإنّما التّعليل معنى يتولّد من استعمال الكاف في التّشبيه الاعتباري، وليس هذا التّشبيه بمجاز، ولكنّه حقيقة خفيّة لخفاء وجه الشّبه.
وقوله: {كما نسوا} ظرف مستقرّ في موضع الصّفة لموصوف محذوف دلّ عليه {ننساهُم} أي نسيانًا كمَا نَسُوا.
وما في: {كما نسوا} وفي {وما كانوا} مصدريّة أي كنسيانهم اللّقاء وكجَحْدهم بآيات الله.
ومعنى جحد الآيات تقدّم عند قوله تعالى: {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} في سورة الأنعام (33). اهـ.

.قال الشعراوي:

{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}
وهكذا يبين لنا الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية من هم الكافرون الذين حرّم عليهم الجنة؛ إنهم من اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا، وأول مرحلة تمر على الإِنسان هي اللعب ثم تأتي له مرحلة اللهو. ونعلم أن كل فعل تُوَجَّه إليه طاقة فاعلة، وقبل أن تُوجّه إليه الطاقة الفاعلة يمر هذا الفعل على الذهن كي يحدد الغاية من الجهد. وهذا المقصود له حدود؛ إما أن يجلب له نفعًا، وإما أن يدفع عنه ضُرًّا. وكل مقصد لا يجلب نفعًا ولا يدفع ضرًا، فهو لعب.
إذن فتعريف اللعب: هو فعل لم يقصد صاحبه به قصدًا صحيحًا لدفع ضر أو جلب نفع. كما يلعب الأطفال بلعبهم، فالطفل ساعة يمسك بالمدفع اللعبة أو السيارة اللعبة، هل له مقصد صحيح ليوجه طاقته له؟. لا؛ لأنه لو كان المقصد صحيحًا لما حطم الطفل لُعَبَهُ. والطفل غالبًا ما يكسر لعبته بعد قليل، وهذا دليل على أنه يوجه الطاقة إلى غير قصد صحيح ولا يجلب لنفسه نفعًا ولا يدفع عنها مضرة.
ولكن حين تُوَجَّه الطاقة إلى ما هو أدنى من المهم فهذا هو اللهو، كأن يكون المطلوب منك شيئا وأنت توجه الطاقة إلى شيء آخر. والذي يعاقب عليه الله هو اللهو. أما اللعب فلا.
ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من الأهل أن يدربّوا الأبناء على شيء قد يفيد الأمة كالسباحة والرماية وركوب الخيل، ولكن خيبة البشر في زماننا أنهم جعلوا اللعب غاية لذاته. ومن العجيب أن اللعب صار له قانون الجد ولا يمكن أن يخرقه أحد دون أن يُعاقَب؛ لأن الحَكم يرقب المباراة، وإذا ما تناسى الحكم أمرًا أو أخطأ هاج الجمهور. وأتساءل: لقد نقلتم قانون الجد إلى اللعب، فلماذا تركتم الجد بلا قانون؟
وكذلك نجد أن خيبة اللهو ثقيلة؛ لأن الإِنسان اللاهي يترك الأمر المهم ويذهب إلى الأمر غير المهم. فيجلس إلى لعبة النرد وهي طاولة ويترك الشغل الذي ينتج له الرزق، وليت هذا اللهو مقصورٌ على اللاهي، ولكنه يجذب أنظار غير اللاهي ويأخذ وقته، هذا الوقت الذي كان يجب أن يُستغل في طاقة نافعة. وفساد المجتمعات كلها إنما يأتي من أن بعضًا من أفرادها يستغلون طاقاتهم فيما لا يعود على ذواتهم ولا على أمتهم بالخير إذن فاللهو طاقة معطلة. {اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا}.
وغرورهم بالحياة الدنيا إنما يأتي من الأسباب التي خلقها الله مستجيبة لهم فظن كل منهم أنه السيد المسيطر. وحين غرتهم الحياة الدنيا نسوا الجد الذي يوصلهم إلى الغاية النافعة الخالدة، ويكون عقابهم هو قول الله سبحانه: {... فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [الأعراف: 51]
فهل يعني قوله عز وجل: {نَنسَاهُمْ} أنه يتركهم لما يفعلون؟.
لا، بل تأخذهم جهنم لتشويهم، ونسيانهم هنا هو أنه سبحانه لا يشملهم بمظاهر فضله ولطفه ورحمته ويتركهم للنار تلفح وجوههم وتنضج جلودهم.
وهكذا يتأكد من جديد أن الدنيا هي المكان الذي يعد فيه الإِنسان مكانه في الآخرة، فإن أراد مكانًا في عليين فعليه أن يؤدي التكليف الذي يعطيه مكانه في عليين. وإذا أراد مكانه أقل من ذلك فعليه أن يؤدي العمل الأقل. كأن الإِنسان بعمله هو الذي يحدد مكانه في الآخرة؛ لأن الحق لا يجازي الخلق استبدادا بهم وافتياتًا أو ظلمًا، ولكنه يجازي الإِنسان حسب العمل؛ لذلك فهناك أصحاب الجنة، وهناك أصحاب النار، وهناك أصحاب الأعراف. وهذا العلم الذي يُنزله لنا الحق قرآنًا ينذرنا ويبشرنا هو دليل لكل مسلم حتى نتنافس على أن تكون مواقعنا في الآخرة مواقع مشرفة. {الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [الأعراف: 51]
وحين يقول الحق سبحانه: {وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} فالآيات إما آيات كونية: {وَمِنْ آيَاتِهِ اليل والنهار والشمس والقمر...} [فصلت: 37]
وإما آيات قرآنية كقوله سبحانه: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3]
وإما أن تكون آيات معجزات لإِثبات النبوة كقوله سبحانه: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون...} [الإسراء: 59]
هم إذن جحدوا الآيات كلها، وكان أول جحود هو جحود بالآيات الكونية التي شاهدوها قبل أن يأتي التكليف، فهم عاشوا الليل والنهار. وتنفسوا الهواء، واستمتعوا بدفء الشمس، وروى المطر أراضيهم ووجدوا الكون مرتبًا منظمًا يعطي الإنسان قبل أن يكون للإنسان إدراك أو طاقة، وكان يجب أن تلفتهم هذه الآيات إلى أن لهم خالقًا هو الحق الأعلى. وحين جاء لهم الموكب الرسالي جحدوا آيات المعجزات التي تدل على صدق الرسل. وحين جاء القرآن معجزًا جحدوا الآيات التفصيلية التي تحمل المنهج. إذن فلا عذر لهم في شيء من ذلك أن الحق يقول: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {الَّذِينَ} يجوز أن تكون في محل جر، وهو الظاهر، نعتًا أو بدلًا من {الكافرين}، ويجوز أن تكُون رفعًا أو نصبًا على القَطْعِ.
قوله: {اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} فيه وجهان:
الأول: أنَّهُم اعتَقَدُوا فيه أن يلاعبوا فيه، وما كانوا فيه مجدين.
والثاني: أنَّهُم اتخذوا اللّهو واللّعب دينًا لأنفسهم، وهو ما زين لهم الشيطان من تحريم البحيرة، وأخواتها، والمكاء والتصدية حول البَيْتِ، وسائر الخصالِ الذّميمة التي كانوا يفعلونها في الجاهليّة.
قال ابن عباس: يُريدُ المستهزئين المقتسمين.
قوله: {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} عطف على الصّلة، وهو مجاز؛ لأنَّ الحياة لا تغرّ في الحقيقةِ، بل المرادُ أنَّهُ حصل الغرور عند هذه الحياة الدُّنيا؛ لأنَّ الإنسان يطمع في طول العُمْرِ، وحسن العيش، وكَثْرةِ المَالِ، وقوَّة الجاهِ، فتشتدُّ رغبته في هذه الأشياء، ويصير محجوبًا عن طلب الدين غَارِقًا في طلب الدنيا.
قوله: {فالْيَوْم} منصوب بما بعده.
وقوله: {كَمَا} نعت لمصدر محذوف، أي: ينساهم نسيانًا كنسيانهم لقاءه أي برتكهم.
وما مصدرية ويجوز أن تكون الكاف للتَّعليل، أي: تركناهم لأجل نسيانهم لقاء يومهم.
و{يَوْمِهِمْ} يجوز أن يكون المفعول متّسعًا فيه، فأضيف المصدر إليه كما يُضَافُ إلى المفعول به، ويجوزُ أن يكون المفعول محذوفًا، والإضافة إلى ظرف الحدثِ أي: لقاء العذاب في يومهم.
قوله: {وَمَا كَانُوا} {ما} مصدرية نسقًا على أختها المجرورة بالكاف أي: وكانوا بآياتنا يجحدون. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا فَاليَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}.
كما تركوا أمره وضيَّعوه تركهم في العقوبة، ولا (...) فيما يشكون، فتأتي عليهم الأحقاب، فلا كشف عذاب، ولا بَرْد شراب، ولا حسن جواب، ولا إكرامٌ بخطاب. ذلك جزاءٌ لِمَنْ يعرف قَدْرَ الوصلة في أوقات المهلة. اهـ.